عولمة العنف


هل ننشر هذا الفيديو ام لا؟ جاء الجواب من اعضاء الفريق وبالإجماع بالرفض. 

تابعنا العديد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي نشرت -هذا الفيديو- بغرض إثارة الرأي العام ضده. وتواصل معنا عدة اشخاص عبر حسابي الشخصي وكذلك حساب الخاص بالجمعية الفلسطينية للرفق بالحيوان على مواقع التواصل، متسائلين لماذا يحدث ذلك؟ وكيف يتم التحقق من مصادر الفيديوهات؟ وهل هناك او ما هي الإجراءات التي يتم اتخاذها من اجل علاج وتأهيل أو معاقبة مرتكبي الجرائم ضد الكائنات الحية التي لا حول لها ولا قوة؟ وهل القوانين كافية لتطبيق لذلك؟

بعد أيام من حادثة قتل قطة بدم بارد على ايدي فتيات مراهقات في إحدى مدن العالم وصلتنا حالة مشابهة من واقعنا الفلسطيني. لقد كانت القطة غير قادرة على المشي على أطرافها الخلفية، يبدو أنها فقدت الشعور بالالم او اعتادت عليه بسبب الشلل في الجزء الخلفي من جسدها. 

من اولى الأشياء التي فكرنا بها هي مدى أهمية وجود رقابة وتحكم بنشر مثل هذه الفيديوهات قبل إتاحتها على مرأى من الاطفال، خاصة أولئك الذين يعانون من مشاكل شخصية ولديهم الكثير من الطاقة التي تنتقل إلى أعمال عنيفة خلال محاولتهم تقليد ما يشاهدون، مما يشكل تهديدا كبيرا على تنمية شخصيات الأطفال ونموهم.

حين وجدت القطة من قبل بعض البالغين بوضع سيء للغاية قاموا بإحضارها الى الجمعية، حيث كانت خائفة للغاية وعاجزة تماما. ولكن يبدو ان من قام بتعنيف القطة لم يتمكن من الاستمرار بجريمته وتوقف عنها، مما يزيد من التساؤلات التي تتبادر للذهن: هل قام بذلك بغرض التجربة؟ ام ان ذلك يعود الى ان العنف أصبح معولما ما أسهم في رفد السلوك الإنساني بالمزيد من الأفكار العنيفة. قبل الوصول إلينا، تركت القطة لفترة من الوقت مما جعل الديدان تنخر في مناطق متضررة ومتعددة من جسدها، وخضعت بعد ذلك لعملية جراحة وتنظيف وتم إمدادها بالتغذية وجرعات من مضادات الالتهاب، ولكن كان جسدها عاجزا عن الاستمرار.

إن الكثير من المشاهد التي تعرض حاليا او يتم تناقلها عبر الشاشات حول هذا العالم تصدمنا في البداية، وكردة فعل على ما نراه قد نشتم من فعلها، ثم نعتاد عليها، وبعد ذلك نتقبل حدوثها كشيء اعتادت عليه البشرية، ونتعايش معها، فيما البعض الأخر يتشوق ويكتسب مهارات ويمتلك الفضول للتجربة، وإحداث الألم للحيوانات كنوع من الترفيه. 

لقد ذكرنا عدة مرات أن الحالات التي تصلنا هي مجرد أعراض لسلوك مرضي بشري. إن إنقاذ الكلاب والقطط لن يمنع من تكراراها مع حيوان أخر، وستحدث مرارا وتكرارا، وعليه يجب دائما التركيز على مواجهة المشكلة من خلال علاج المسبب الرئيسي وهو السلوك الإنساني. 

سأكون صريحا جدا معكم، ان مثل هذه الأحداث داخل وسطنا كمجموعات رفق بالحيوان والتي نعمل على مواجهتها وحلها تخاطب عواطف الجمهور بشكل كبير، حتى وان كانت حالات لا تزيد عن أصابع اليد، فهي تنشر كقصة نجاح وتحظى باستحسان الآخرين، اذ يهبون من اجل توفير الدعم والتمويل لهذه القضايا.

تعيدنا هذه الأحداث والأفعال المليئة بالعنف الى السؤال التقليدي، هل سنتوقف عن انشطتنا وعن انقاذ الحيوانات اذا توقفت هذه الجرائم؟ هل سنفقد نحن أنصار الحيوانات اهمية وجودنا؟

على سبيل المقارنة اطرح السؤال المماثل: في حال توقف الناس عن ارتكاب الجرائم، هل ستتوقف أنشطة السلك القضائي من محامين وقضاة وشرطة عن عملها؟ 

ان تجربتنا في العمل في هذا الميدان تثير فينا تساؤلات فلسفية عن جدوى هذه الأنشطة أو تغيير النمط من انقاذ الحيوانات الى رفع الوعي وحمايتها لردع اذيتها. تماما كما تفعل الشرطة في حال وجود جرائم او قبل حدوثها، فالشرطة تمنع حدوث الجرائم وفي حال حدوثها تقوم بالقبض على مرتكبيها.

وهنا نستطيع الاستنتاج بأن وجودنا لا يعتمد على وجود مثل هذه الاحداث من عدمها، ولكن يعتمد على اهتمامنا بالحيوانات كجزء من الطبيعة، وكجزء من رؤيتنا بأننا مسؤولين عن حمايتهم ورعايتهم وانقاذهم والاهتمام بهم تحت أي ظرف من الظروف، وفي حال حدوث جرائم بحقها من عدمه. 

نحن نقوم بإنقاذ الحيوانات المصابة ونستمر برفع الوعي لدى الجمهور. لقد نجح هذا بالفعل حين كانت الإمكانيات المادية تسمح لنا. ان الامور تسير بشكل حسن في بعض الأحيان. وبدلا من الوقوف كمتفرجين على مثل هذه الافعال الوحشية تغير السلوك الى الايجاب فأصبح الجمهور فاعلا متدخلا يعمل عندما تسنح له الفرصة على وقف أفعال مشابهة. وان لم يكن هذا التدخل مباشرا فهو يكون تدخلا مساعدا يتمثل في كثير من الأحيان في البحث عمن يمكن ان يساعد الحيوانات المصابة، او تدخل على شكل تقديم تبرعات من اجل مساعدة هذه الحيوانات.

انها العولمة التي تنشر كل انواع الافكار والتجارب. وما يكون على مقاس مشاعرك تتبناه او تقوم بتجربته. وهنا، علينا ان نفكر مليا بما هي آليات منع نشر هذه الجرائم الموثقة بالصور والفيديوهات؟ وما هي أفضل الممارسات التي يمكن ان نتبناها لننجح في الغاء او حتى الحد من انتشار هذه الجرائم.

نحن نحتاج الى آلية يمكن ان تساعد في الوصول الى هذا الهدف وتحدث تأثيرا إيجابيا لجهة ضبط محتوى الفيديوهات التي يتم تداولها عبر صفحات التواصل الاجتماعي. نحن بحاجة إلى آليات يمكن أن تساعد في تحقيق التوازن بين رفع الوعي وردع مثل هذه الجرائم.

Leave a Replay