الاعتقاد السائد اليوم – وفي معظم البلاد بصرف النظر عن الدين أو الخلفية الثقافية- هو أن قتل وأكل بعض أنواع الحيوانات هو أمر مسموح وطبيعي. لكن المفارقة الساخرة هي أن عالمنا قد تدهور وما يزال يتدهور، وبشكل كبير، كنتيجة لهذا الاعتقاد. لذلك نحن بحاجة أن نتوقف للتأمّل قليلاً وأن نواجه أنفسنا بسؤال هام: أين تعثرنا بالضبط؟ وكيف
من الممكن الآن تصحيح مسارنا؟
من المنظور الإسلامي، ولكون الإنسان مستخلفاً في هذه الأرض، فهل يقوم الإنسان بحماية هذه الأرض ومواردها وطبيعتها لكي تكون صالحة وآمنة للأجيال اللاحقة؟
من المهم جداً ألاّ ننظر إلى نصوصنا الدينية بالأبيض والأسود فقط، وتجريدها من السياق الزماني والمكاني الذي أُنزلت فيه. وبهذا قد يمكننا الوصول إلى فهم حقيقي للسّياق السائد حينها. وكما سنلاحظ لاحقاً، فإن السياق التاريخي الذي سمح به القرآن باستهلاك لحوم الحيوانات يكشف عن ظروف صعبة للغاية كان لا مفرّ حينها من استخدام الحيوانات للأكل والسفر واللباس وغيره.
في البداية، دعونا نلقي نظرة على ذكر بعض الحيوانات الأليفة في القرآن، مثل الجمال والماشية، وهي من أنواع الحيوانات التي كانت موجودة في الصحراء العربية في ذلك الوقت، وكانت موجودة قبل 9000 سنة أيضًا. نعم، يشير القرآن إلى هذه الحيوانات كمصادر للطعام والملبس والتنقل والسّكن لأن ذلك ما توفّر للناس في ذلك الوقت. كما أن القران لم يقدّم هذه الممارسات كطرح جديد، بل عرض الحال كما كان عليه. في كتابها الجزيرة العربية في العصر الجاهلي، تقول الكاتبة نهال شاهين أوتكو: “لقد كان العرب من البدو الرحل الذين اعتمدوا بشكل كبير على حيواناتهم من أجل البقاء، فنرى أنهم عاشوا في ظروف صحراوية قاسية مع حيوان معجزة كالجمل، حيث عاشوا داخل الخيام المصنوعة من شعر الإبل.” وتُكمل الكاتبة حديثها مستشهدة بالفوائد التفصيلية للإبل ولماذا تتلاءم تماماً مع البيئة الصحراوية، ولماذا هي مناسبة جداً لشعب الجزيرة العربية. الآن، هل تعتقد أنه لو كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بُعِثَ إلى شعوب الدول الاسكندنافية، هل كان سيتحدث القرآن عن الجمال؟ الجواب: بالطبع لا. السبب الوحيد لذكر القرآن الكريم للإبل والمواشي في سياق الطعام والملابس والنقل والإسكان هو أنها كانت جزءاً لا يتجزأ من تركيبة المجتمع البدوي المعقّد. وبالطبع، كان القرآن يخاطب الناس من بيئتهم التي جاءوا منها.
في ذلك الوقت، كان الغذاء نادر الوجود وصعب التحصيل، وكان الناس يعيشون في بيئة صحراوية قاسية جداً، تجبرهم على أكل كل ما هو متاح (بما في ذلك السّحالي، ولا زال بعض الناس في الجزيرة العربية اليوم يتناولون حيوان الضبّ وهو من فصيلة السّحالي الكبيرة) واستخدموا كل ما في وسعهم لتأمين سكنهم وملبسهم، فمثلاً استخدم الناس قديماً الحيوانات للتنقل في غياب الوسائل الأخر.
:ولنكُن واقعيين للحظة ونسأل أنفسنا هذه الأسئلة
متى كانت آخر مرة استخدمتم فيها الحيوانات كوسيلة للنقل؟
ومتى كانت آخر مرة استخدمتم فيها شعر الحيوان كمواد بناء لمنزل مثلاً؟
في الحقيقية، نحن لا نستخدم الحيوانات لهذه الأغراض اليوم، ببساطة لأننا وجدنا بدائل أفضل. فلماذا إذن ما زلنا نتناولها كطعام ولدينا من البدائل الكثير؟
لماذا يُعدّ قتل/ ذبح الحيوانات وأكلها أسوأ ما تُمارسه البشرية اليوم؟
لماذا يُعدّ قتل/ ذبح الحيوانات وأكلها أسوأ ما تُمارسه البشرية اليوم؟
لا يمكن الادعاء بالتديّن واتباع دين حنيف وفي ذات الأمر المساهمة بتدمير الأرض ومواردها الطبيعية وبغضّ البصر عن الإساءة للحيوانات رغم كلّ الدلائل على حصول ذلك وبشكل دامغ وغير قابل للتأويل.
:وهنا نستعرض وبشكل مختصر ماذا يعني استخدام الحيوانات كمصدر للغذاء اليوم
الضّرر البيئي الجسيم*
ولا يمكن أن تكون إنساناً تدعو للمحافظة على البيئة وفي نفس الوقت تتناول اللحوموالحليب والبيض، ويمكن توضيح ذلك من خلال :
التلوّث البيئي: الدراسات والتقارير اليوم تثبت وبشكل لا يدعو مجالاً للشك بأن نفايات مزارع المواشي والدواجن والأسماك تلوث الأنهار والبحيرات أكثر من جميع الصناعات الأخرى مجتمعة. لقد ربطت منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة مجال زراعة محاصيل تغذية حيوانات المزارع بعدد من القضايا والمشاكل منها على سبيل المثال: تلوث المياه والتربة ومياه الشرب بالسماد الطبيعي والمبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية. وكذلك الأمطار الحمضية بسبب انبعاث الأمونيا من روث الحيوانات، بالإضافة إلى الغازات الصادرة عن البيوت الزجاجية الزراعية واستنفاذ مصادر الري في طبقات الأرض.
شُحّ المياه: إنتاج كيلو واحد من اللحوم بحاجة إلى 1500-5000 جالون من المياه في الوقت الذي يعاني ملايين البشر من شُحّ المياه. إن الحمية الغذائية التي تحتوي على اللحوم والحليب والأجبان والبيض تتطلب 4200 جالون من الماء لكل شخص يومياً لإنتاج طعامه، أما النظام النباتي الصرف (vegan) يتطلب 300 جالون من الماء يومياً لإنتاج الغذاء النباتي.
استغلال الأراضي وتدميرها: يستخدم ما يقرب من 80 بالمائة من الأراضي الزراعية حول العالم في تربية الحيوانات للحصول على الطعام. إن مساحات الأراضي المستغلة في زراعة الأعلاف وغذاء حيوانات المزارع التي معظمها معدلة جينياً (وهذه لوحده كارثة بحد ذاتها) هي أكبر بأضعاف مضاعفة من المساحات المزروعة لتغذية الإنسان مباشرة، كما أن تغذية المواشي يستهلك كميات مهولة من الماء والسماد والأراضي. وتشير الأبحاث إلى أنه لو تم الاستغناء عن 10% فقط من هذه المساحات لزراعة محاصيل يستخدمها الإنسان مباشرة لتمّ القضاء على كل مجاعات العالم! ناهيك عن أن للمشاريع الزراعية الخاصة بتغذية حيوانات المزارع أثر مدمر على الكرة الأرضية وينتج عنها تدمير لطبقة التربة العليا في الأراضي الزراعية وتحولها إلى تربة أقل إثماراً وفي النهاية إلى أرض بوار. هذا كله بالإضافة إلى أن السبب رقم واحد لقطع أشجار الغابات في العالم هو إنشاء أراضي لزراعة أعلاف حيوانات المزارع حتى تلبي طلب الإنسان من البيض والحليب واللحم
الاحتباس الحراري: إن استهلاك منتجات الحيوانات من اللحوم وغيرها هو السبب رقم واحد لازدياد درجة حرارة الأرض وبنسبة 40% أكثر مما تسببه جميع الطائرات والسيارات والشاحنات الموجودة بالعالم
إساءة معاملة الحيوان
نتيجة للاستهلاك المفرط للحوم اليوم، فإن الغالبية العظمى من الحيوانات التي يتم استهلاكها للطعام يتم تدجينها في المزارع حيث يتم إبقاءها في أقفاص لطوال حياتها وحيث يتم استخدام كافة الطرق لضمان إنتاجية أفضل (ليس من ضمنها المعاملة الإنسانية الأخلاقية)، فمثلاً يتم فصل العجول عن أمهاتها يوم الولادة لتذهب لمزارع التسمين من أجل تصنيع اللحوم التي نأكل ويُقتل بعضها للاستفادة من أنزيم المعدة لتصنيع الأجبان التي نأكل، فيما يُستخدم حليب أمهاتها لتغذية البشر! وحيث يُساء معاملة الحيوانات بل ويتم تعذيبها في الكثير من الأحيان، والمواقع الإلكترونية زاخرة بفيديوهات وصور ومقالات في هذا الموضوع.
وهذا كلّه يتجاهل حقيقة راسخة أكّدها القرآن الكريم في سورة الأنعام:” (37) وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ“فهل يُعقل وفي ظلّ هكذا تأكيد أن نُبقي على الأفعال الكارثية التي نرتكبها بحقّ الحيوانات وبحقّ الإنسان وبحقّ أمّنا الأرض اليوم على أنّها “حلال” ومُرخّصة من الله؟
إن النصوص الإسلامية مليئة بتعليمات لا لُبس فيها تحظر وبدون شك إساءة معاملة الحيوانات، هذا على فرض أننا نحتاج إلى كتاب أو عالِم ليعلّمنا معنى الشفقة والمعاملة الأخلاقية. وبهذا ألا ينبغي أن يكون فهمنا للإسلام قائماً على أساس أنه دين يسعى لعالم أفضل؟ لا عالم منهوب ومُستهلك ومُدمّر؟ ويدعونا إلى تقدير هذا العالم والمحافظة عليه كمعجزة إلهية، لا السعي إلى زوالها وتدميرها؟
الحيوانات ليست هنا لخدمتنا
وُجِدت الحيوانات على هذه الأرض منذ حوالي 550 مليون سنة، وهذه المدة أطول بكثير من حياة البشر على كوكب الأرض والتي لا تتجاوز ال 200,000 سنة. فهل من المنطق في ظلّ هكذا حقيقة أن نقول إن الحيوانات خُلقت من أجلنا؟
الحيوانات كما البشر، لديها أدوار محددة في هذا الكوكب، ولكل فصيلة من هذه الحيوانات نظام بيئي خاص بها، ومن تعجرف الإنسان وتعاليه أن ادعى ولا زال يدّعي أن الحيوانات قد سخرت فقط لخدمته. ومن الجدير الإشارة هنا إلى أنه بينما يُعد مفهوم العلاقات التكافلية ذات المنفعة المتبادلة شائع للغاية في الطبيعة -حين يستفيد حيوانان أو أكثر من تعاونهما سوياً- إلا أن البشر تعاملوا مع غيرهم – ومع بعضهم البعض- وعلى مر السنين على أساس الإخضاع والسيطرة والقمع. ولعل المنفعة الحقيقية تأتي من دراسة ومراقبة الحياة بدلاً من سلبها؛ ألم تكن دراسة الطيور وتحليقها وبنيتها وديناميتاها الهوائية مصدر إلهام لاختراع الطائرة. هل من قبيل الصدفة أن تبدو الطائرات اليوم كطائر يتألف من جسم وأجنحة وذيل؟ أليس هذا “التسخير” أكثر فائدة بكثير من سفك الدماء الجماعي الذي يرتكبه البشر يومياً؟ وعندما تم دراسة الذئاب عن كثب، حقق المزارعون الذين لم ينجحوا بإبعاد الذئاب عن قطعانهم نجاحًا فوريًا من خلال القيام بما تفعله الذئاب تمامًا، بث النداءات، بدلاً من محاولة تسميمهم أو إطلاق النار عليهم كما تفعل البلديات الفلسطينية منذ زمن لعلاج مشكلة كلاب الشوارع- التي لم ولن تُحلّ بهذه الطريقة المتوحشة. فيمكن للإنسان أن يفرض سيطرته لكن بطريقة إنسانية وأخلاقية ومسؤولة- بصفته خليفة الله في الأرض. وفي مثال آخر عندما تمت متابعة النمل والنمل الأبيض لتألقهم المعماري، اكتُشِفَت متاهة من الأنفاق المعقدة مع أنظمة تكييف الهواء المدمج للحفاظ على تدفق الهواء المتداول. هناك العديد من الأمثلة الأخرى للطبيعة التي تأسرنا وتوضح لنا فرصًا جديدة. لذا نعم، لقد وضع الله كل شيء هنا لنا كي لا نسخره كما كنا نفعل سابقاً، ولكن كي نتعلم ونصبح كائنات أفضل وبذلك نستفيد من كل حياة حولنا ونفيدها. وللمتأملين/ات في نصوص القرآن الكريم أن يروا أن هذه النظرة هي الأقرب لروح الإسلام وتعاليمه، عوضاً عن أن يبقى المسلمين/ات جزءاً من الدمار وانعدام الإخلاف في التعامل مع الأرض ومواردها الذي يمارسه العالم مجتمعاً اليوم.
الصّدقة والأضحية في الإسلام لا يُشترط أن تكون دماء
إن الأضحية في الإسلام – وبالإجماع- هي سنّة وليست فرضاً أو واجباً، وبهذا فنظريّة وجوب الأضحية عند المقدرة المالية هي نظريّة خاطئة، هذا ومع التأكيد مجدداً أن سنّة ذبح الحيوانات كانت مقرونة بظروف بيئية قاسية لم يتوفر فيها العديد من البدائل للغذاء. ومن هنا يمكننا أن نتساءل وبشكل مختصر: ألا يمكن استخدام المال الذي كنتم ستدفعونه ثمناً للأضحية في وجهٍ آخر أكثر فائدة للفقراء؟
في فلسطين مثلاً: يتم توزيع ما مقدار 3 قطع من اللحم للعائلة (ما يعادل الكيلو الجرام الواحد) وإذا تأملنا في حقيقة أنه يمكن أن تكون هذه العائلة مكونة من 7 أشخاص ولا يتوفر لها مواد أخرى لتطبخها مع هذا المقدار القليل من اللحم، في حين أن ثمن كيلو اللحم يزيد عن ال 20 دولار، فهل من الأفضل لهذه العائلة أن تحصل على كيلو اللحم الذي لن يُشبع العائلة لوجبة واحدة فقط أم أن تُعينوها بقيمة كيلو اللحم من المال والتي يمكنهم بها شراء غذاء قد يكفيهم لثلاثة وجبات مشبعة على الأقل؟
ومع الأخذ بعين الاعتبار كل ما ذُكر سابقاً بخصوص كارثية استخدام الحيوانات للغذاء وضررها الأكبر على الفقراء، الذين من المفترض أن جزء مهم من هذه الأضحية ذاهب إليهم، وضررها على الأجيال التي ستخلفنا، هذا ناهيك عن المعاملة الوحشية للحيوانات في مزارع اللحوم والحليب والبيض، فهلّ يستقيم في قلب وعقل سليمين أن نُبقي على سُنن لم يعد لوجودها أي مسوّغ منطقي أو أخلاقي؟
إلا إذا كانت بطوننا وشهوتنا وعنجهيتنا أهم من ذلك كله، فهذا أمر آخر لا يمكن لخطاب أخلاقي كهذا أن يعالجه
المصادر:
- مبادرة المسلم النباتي The Vegan Muslim Initiative
- موقع الأدب النباتي